-A +A
نهلة الجمال (المدينة المنورة)

لا تزال المملكة سوقا مزدهرة للدورات التطويرية، وبحسب أرقام الدورات، يحرص كثير من السعوديين على تطوير أدائهم الوظيفي، يحضر كثير إلى دورات تطويرية على مستوى الحياة الخاصة، بيد أن شكوكا تدور حول كثير من الدورات من حيث منهجية طرحها، وبعدها عن التكسب المادي المقابل للضعف المهني، حتى بات يعتقد سعوديون بأن المسألة لا تتعدى كونها تجارة وهم نشطة في السوق.

ورصدت «عكاظ» جملة من المخالفات في قطاع التدريب لعدد من الجهات الخدمية، فالمشاغل النسائية، تعلن عن إقامة دورة في التجميل بترخيص من وزارة الثقافة والإعلام الأمر الذي نفته الوزارة، وجمعيات خيرية وغرف تجارية وأفراد يقيمون دورات بمجالات مختلفة ومسميات متعددة بشهادات محلية وأخرى دولية بلا مظلة رسمية، وبعيدة عن إشراف الجهة المعنية بالتدريب وصاحبة الاختصاص «المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الأهلي». ويشهد سوق التدريب في المملكة عددا من الإشكالات التي برزت وبشكل جلي، وباتت تمارس بها الكثير من المخالفات للأنظمة واللوائح، إذ كثرت في الآونة الأخيرة الإعلان عن إقامة دورات في المواقع الإلكترونية تدريبية وعلمية التي يزعم مقدموها أنها معتمدة من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني ويقومون باستخدام أختام وشعارات لجهات حكومية عدة وإدراج اسمها ضمن اعتماداتهم لترويج لتلك الدورات وتضليل المتدربين لإقناعهم بمصداقيتها.

وترى مشاعل الحربي إحدى الحاصلات على عدة شهادات تدريبية أن الدروات التدريبية باتت تفتقر إلى الأمانة المهنية وإلى الجهات الرقابية الرادعة، «اليوم نفاجأ بمسميات وشهادات متعددة، لكل دورة تطويرية وتأهيلية، كما نفاجأ بأسماء جهات الاعتماد، وكأن المسألة باتت مثل قائمة الطعام في المطاعم».

من جهته، يعتقد أحمد أسعد الذي يعمل مديرا تنفيذيا لأحد معاهد التدريب أن سوق التدريب ينمو بسرعة كبيرة، لافتا إلى أن تقنين الدورات وتنظيمها مفقود، «ما أفرز منافسة غير عادلة بين المعاهد والمدربين الأفراد بإقامة دورات غير نظامية». الإعلانات عن الدورات في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام مزدهرة، حتى أن المساعدة بقسم التخطيط والتطوير بتعليم ينبع منى الغامدي توضح لـ«عكاظ» أن الدورات التدريبية والتطوير المهني أصبحت حقا مشاعا للجميع، وتبدي الغامدي ذهولها من كثرة الإعلانات عبر وسائل الإعلام والبريد الإلكتروني، «رغم عدم وجود مصداقية لدى بعض جهات التدريب إلا أن الإعلانات لا تنقطع».

وتشدد الغامدي على ضرورة مساهمة جهات الاختصاص في الحد من هذه البرامج وتقنينها، «لأنها أصبحت بمثابة تجارة بالعقول واستغفال الناس خصوصا صغار السن، وهذا أمر خطير يستحق الوقوف عنده ومحاسبة من يستغفل مجتمعه بهذه الطريقة».





«التدريب المهني» تلوح بالعقاب





أكد المتحدث الرسمي للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني فهد العتيبي عدم قانونية إقامة مشاغل نسائية ومقاه لدورات تدريبية، ملوحاً بورقة العقاب في حال تم رصد مثل تلك الدورات، «سنطبق الإجراءات النظامية ومخاطبة إمارات المناطق لإيقاف تلك الجهات وهناك تجاوب في ذلك الشأن». وأوضح العتيبي لـ «عكاظ» أن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني هي الجهة المخولة نظاماً بالترخيص للقطاع الخاص بالتدريب والإشراف عليه وتحديد معاييره الفنية وهي الجهة المعنية، وأنه في حال وجود مخالفات فسيتم اتخاذ الإجراء النظامي بحقها وفقاً للقواعد والإجراءات التنفيذية الواردة في لائحة التدريب بمنشآت التدريب الأهلية والمعلنة على موقع الإدارة العامة للتدريب الأهلي.

وأكد رقابة المؤسسة على المدربين العاملين تحت المنشآت التدريبية، وأنه لا يحق للأفراد إقامة أي دورة تدريبية منفصلة عن المعاهد المرخصة، لافتا إلى أن الغرف التجارية الصناعية تقدم دورات من خلال مراكز التدريب التابعة لها، وأن الجامعات تُقدم دورات من خلال عمادات خدمة المجتمع، «وهي مجانية بلا رسوم وتعد تلك الدورات من اختصاصهم، أما الجمعيات الخيرية فتقتصر حدودهم في تأهيل للمقبلين على الزواج عدا ذلك فيلزمها الحصول على رخصة من المؤسسة».





.. و«الإعلام» تطالب بالتحري





في الآونة الأخيرة، بدت تطفو على السطح، دورات تدريبية لتطوير الأدوات الإعلامية للهواة، في الوقت الذي تحذر وزارة الثقافة والإعلام من الوقوع في فخ الخداع، إذ تؤكد أن التصاريح الإعلامية لا تخول حاملها بتقديم دورات تدريبية.

وقال مدير فرع وزارة الثقافة والإعلام بالمدينة المنورة الدكتور صلاح الردادي إن الوزارة تعمل وفق آلية وأنظمة محددة وهي الجهة المخولة بإصدار التصاريح الإعلامية فقط بمختلف أنواعها، وأن حامل التصريح لا يخوله التدريب أو المصادقة على الشهادات.

وشدد الردادي على ضرورة الإبلاغ عن المؤسسات والشركات المرخصة للعمل الإعلامي التي تقيم دورات تدريبية للمواطنين والمواطنات، بغير ما خصص لها، مطالباً بالتحري عن الدورات قبل الاشتراك بها، «يعتبر مخالفة صريحة لنظام المطبوعات بالمملكة ويعرض الجهة المخالفة والتي أساءت استخدام الترخيص الممنوح لها للمساءلة القانونية وتحمل كافة المسؤولية وما يترتب عليها، والتحري عن الدورات مهم».



مسؤولة في «التعليم» تتبرأ من الترخيص

تبرأت إدارة التعليم في منطقة المدينة المنورة من اعتماد شهادات تدريبية، مبددة بذلك كل المزاعم باعتمادها دورات تدريبية، إذ أكدت مديرة إدارة التدريب والابتعاث «بنات» بإدارة التعليم بمنطقة المدينة المنورة مريم مضحي المحمدي لـ«عكاظ» عدم صحة اعتماد الوزارة أي دورات تدريبية، مشيرة إلى أن «التدريب التقني» هي الجهة المعنية بالترخيص.

وأضافت أن وزارة التعليم ترخص فقط لمعاهد تعليم الإنجليزية وحاضنات ورياض الأطفال، «وأما ما يتم تدوينه بأنها شهادات معتمدة من وزارة التعليم فلا صحة له مطلقا»، مشيرة إلى أن اعتماد البرامج التدريبة والشهادات يتم من المراكز والمعاهد المرخصة من قبل المؤسسة كجهة إشرافية وتحت مظلتها.

من جهته، بين المحامي محمد الأبادي أن الجهات أو الأفراد المقدمين للدورات غير المرخصة والمستخدمة لأختام وشعارات الوزارات المزورة، سيكونون عرضة للمحاكمة، مضيفا «تتم مساءلتهم واتهامهم بالتزوير وتندرج هذه الجناية تحت النظام الجزائي لجرائم التزوير ويطبق في حق فاعليها السجن لمدة تصل إلى سبعة أعوام وبغرامة مالية لا تزيد على 700 ألف ريال».

وأوضح أن النظام قد أشرك في العقوبة بموجب المادة الـ21 كل من اتفق أو حرض أو ساعد في ارتكاب جريمة التزوير بنفس مقدار العقوبة لمباشر التزوير، «وتعاقب الشركات الخاصة إذا ثبت أن مديرها أو أحد منسوبيها ارتكب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في النظام لمصلحتها أو بعلم منها بغرامة تصل إلى 10 ملايين ريال وبالحرمان من التعاقد يصل إلى خمسة أعوام مع أي جهة عامة دون الإخلال بأي عقوبة نص عليها النظام في حق الشخص ذي الصفة الطبيعية مرتكب الجريمة وذلك بموجب المادة 23.

«ضحايا الوهم»: أموالنا وأوقاتنا في مهب الريح





على وقع زحام الدورات التدريبية وتطوير الذات والحنق الكبير عليهما في المجالس المتخصصة والمجتمعية، تعرضت سيدات سعوديات في غرب المملكة لعمليات وصفنها بـ«الاحتيال»، حتى أن إحداهن أكدت لـ«عكاظ» تسجيلها في دورة زعم القائمون عليها أنها تعادل درجة الدبلوم في رياض الأطفال، لتكتشف بعد ذلك أن الدورة التي بلغت قيمتها ثلاثة آلاف غير معتمدة من الجهات الرسمية.

وبتذمر كبير تقول عبير الجهني (تخرجت في الجامعة قبل أربعة أعوام) إنها أرادت الحصول على دورات تدريبية لتفيدها في المفاضلة التعليمية، «قرأت عن دورة تعادل دبلوما في رياض الأطفال لمدة أربعة أيام وتحمل اعتماد من الخدمة المدنية، حصلت على الشهادة بعد أن حضرت الدورة ودفعت 3000 ريال».

وتشير الجهني إلى أنها تفاجأت بعد أن رفض موقع جدارة اعتماد شهادة الدورة، مضيفة «عند الاتصال على خدمة الاستفسار أخبرتني الموظفة أن الشهادة غير معتمدة واستغربت مسماها (دبلوم) ومدتها فقط خمسة أيام، وقالت الموظفة لي إن كثيرات وقعن ضحايا للدورات التي تبيع الوهم». أما ريم العنزي، فقد حرصت على حضور عدد كبير من الدورات المهتمة بتطوير الذات، لتكتشف بعد الدراسة الجامعية أن جل الدورات التي قضت فيها مالا ووقتا غير معتمدة، رغم وجود ادعاءات من القائمين على الدورات بأنها معتمدة من جهات حكومية مختلفة.

وتعزو العنزي حرصها على حضور إلى محاولتها لإعداد نفسها بالشكل المطلوب لسوق العمل، «كنت آمل أن أحصل على وظيفة في حال تخرجي، حرصت على حضور تلك الدورات التدريبية منذ كنت طالبة جامعية لأعد نفسي بالشكل المطلوب للسوق العمل وأملا مني في حصولي على وظيفة في حال تخرجي، فأصبحت أتبع الإعلانات في جميع قنوات التواصل الاجتماعي لحضور الدورات التطويرية والبرامج التأهيلية، حقيقة كنت أتعجب من ارتفاع أسعارها، لكن وجودها كإعلانات في وسائل إعلام جعلت لها مصداقية بالنسبة لي».

وتضيف العنزي أنها عندما بدأت تقدم للبحث عن وظيفة اكتشفت أن شهادات الدورات التطورية التي حضرتها لا تتخطى كونها «ورقا ليس له أي قيمة»، وأن الموارد البشرية في المؤسسات الكبيرة و«الخدمة المدنية»، لم تعترف بجلها.